فارمفيل و روح المشاركة والشعور بالمسؤولية
على غير العادة استيقظت الصغيرة من نومها الساعة الخامسة فجراً. نهضت من الفراش في استجابة فورية نادرة لصوت المنبه المزعج الذي يكون مصيره عادة الدفن تحت الوسادة. وفي خطوات محسوبة في الظلمة الحالكة توجهت إلى جهاز الكومبيوتر حيث روت حقل القمح، وجنت محصول الطماطم، وأطعمت البقرتين، وسقت المعزاتين وبالخطوات المحسوبة نفسها عادت إلى فراشها، وغطت في النوم، كأن شيئاً لم يكن.
وعلى غير العادة أيضاً، لم تمانع الأم في اليوم التالي أن تستخدم الصغيرة جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بها أثناء وجودهما خارج البيت عملاً بمبدأ أن «الغاية تبرر الوسيلة». فالغاية إنقاذ الزرع من الذبول، والحيوانات من النفوق إن هي تأخرت عن رعايتها في الوقت المحدد.
أما الأب فيتحدث بكثير من الإعجاب و التقدير عن لعبة «فارم فيل» الإلكترونية التي تلعبها ابنته ذات الـ12 عاماً. ويقول: «لم أكن يوماً أتخيل أن تستيقظ ابنتي المدللة من نومها بغرض إنجاز مهمة ما مهما كانت حيويتها، ولكني وجدتها تنظم وقتها، وتضبط المنبه يومياً لتستيقظ في المواعيد المحددة لري الأرض، وجني المحصول، ورعاية الحيوانات في مزرعتها الافتراضية. ليس هذا فقط، بل اكتشفت أنها وصديقاتها يتبادلن العناية بمزارع بعضهن بعضاً في حال اضطرت إحداهن للتغيب بعيداً عن الكومبيوتر لأسباب قهرية، وهو ما نمّى لديهن إحساساً جميلاً بالمساعدة والمشاركة.
ولم يفت مبتكري هذه اللعبة العبقرية تنمية النواحي الحسابية، وغرس أهمية الربح لدى اللاعبين، فقد وجدت إلى جانب جهاز الكومبيوتر الخاص بابنتي أجندة صغيرة تسجل فيها أرباحها وخسائرها من بيع المحاصيل. هي لعبة ممتازة بكل المقاييس، تعلم الالتزام، وتشجع المسؤولية، وتعزز المشاركة، وتدرب على مفهوم الربح والخسارة وتقبل كل منهما، والاستفادة من الأخطاء التي وقعت وتسببت في الخسارة».
فوائد تربوية
هذا المفهوم تحديداً هو ما يتحدث عنه الاستاذ وائل بكري الذي يعلم مادة «تكنولوجيا المعلومات» في مدرسة ثانوية خاصة في القاهرة. لا ينكر بكري وجود العديد من السلبيات المرتبطة بالألعاب الإلكترونية، لكنه يفضل النظر إلى فوائدها الكثيرة التي يتجاهلها كثيرون. ويقول: «أهم ميزة تجمع بين الكثير من الألعاب الالكترونية هي تنمية فكرة التجربة والخطأ التي يتعلم منها الصغار والكبار على حد سواء، حل المشاكل بطرق ابتكارية. فأثناء اللعب وبسبب خطأ في الحركة، أو الاختيار، يتعرض اللاعب للخسارة، وهو ما يدفعه للتفكير في طرق بديلة تجنبه الخسارة، ويضمن عدم الوقوع في الخطأ نفسه مرتين. وهذا ينمي الميول الابتكارية في التفكير، وتشجيع الابتعاد من الأفكار النمطية والمستهلكة».
ويضيف بكري كذلك إلى فوائد الألعاب الإلكترونية أنها تدرب اللاعب على كيفية استيعاب أكبر كم ممكن من المعلومات، ومن ثم اتخاذ قرار سريع مبني على المعطيات. كما أن الكثير من الألعاب الإلكترونية تنمي سعة ذاكرة اللاعب، «إذ تكون أشبه بالتمرينات الرياضية التي تعمل على تقوية العضلات وزيادة حجمها بكثرة الممارسة».
الذاكرة ليست وحدها التي تستفيد من بعض الألعاب الإلكترونية، بل ثبت أن مستوى التحصيل الدراسي وإقبال الطلاب على المناهج التعليمية يمكن أن يتحسنا كثيراً بمساعدة الألعاب الإلكترونية. وتشير دراسة أميركية لخبير تقنية المعلومات وي بينغ عنوانها «هل ممارسة الألعاب كلها سيئة؟» إلى أن الخيال البعيد تماماً من الواقع قد يجعل العملية التعليمية أكثر جاذبية، ومن ثم تساعد على تحسين تحصيل الطلاب. تقول سلمى هاشم (24 عاماً) وهي متطوعة في مجال محو الأمية ومساعدة المراهقين في الأماكن العشوائية والفقيرة على العودة إلى فصول الدرس أنها لاحظت استجابة عالية جداً لفهم المناهج الدراسية، إضافة إلى قدر أكبر من الاستعداد للجلوس فترات أطول بين المراهقين والمراهقات في حال وجود ألعاب إلكترونية. تقول: «أولئك يعيشون في واقع قبيح وأليم، لكن لعبة الكومبيوتر تنقلهم فجأة إلى عالم مختلف تماماً. حدائق غنّاء، بيوت جميلة ونظيفة، سيارات فارهة، شوارع واسعة ونظيفة، وكأنما يهرب أولئك الشباب من واقعهم إلى عالم افتراضي عبر لعبة بسيطة».
ليس حكراً على الذكور
هذا العالم الافتراضي هو أيضاً ما لفت انتباه أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتور علي أبو ليلة الذي يرى أن كثيرين من المراهقين والشباب وجدوا في ألعاب إلكترونية مهرباً لهم من قبح الواقع. وتساءل: «من منا لا تراوده فكرة العيش في قصر جميل مشابه للقصور المرسومة في بعض هذه الألعاب؟ ومن منا لم يتخيل نفسه مكان البطل الذي تكاد عضلاته أن تنفجر لفرط قوتها وانتفاخها؟ ومن منا لم يجرفه الخيال وهو يرى الفتيات الجميلات يشاركن البطل فتوحاته وانتصاراته؟»
ويضيف أبو ليلة أنه في بعض الأحيان تأتي هذه العوالم الافتراضية لتكون طوق نجاة للمراهقين والشباب، لاسيما الذين يواجهون مشاكل سواء اقتصادية، أو اجتماعية ، أو حتى نفسية. فاللاعب يجد أن لديه القدرة على تحقيق جزء من ذاته، واستعادة ثقته بنفسه بالاندماج في لعبة ما، لا سيما الألعاب التي تعتمد على إنجازات بطل واحد.
لكن سارة خليل (18 عاماً) تتحدث عن إنجازات البطلة الواحدة، فهي من أشهر «محترفي» الألعاب الإلكترونية في دوائر معارفها. تقول: «في البداية كان الكثيرون يتعجبون من فكرة أنني فتاة وأحب لعب الألعاب الإلكترونية التي تتسم بطابع الحركة السريعة، بل أن بعض زملائي في الجامعة كان يسخر مني، ويطالبني بالاكتفاء بتلبيس «باربي» ملابس مختلفة وتغيير تسريحة شعرها لكني سرعان ما أثبت للجميع أنني الأذكى والأمهر في ممارسة ألعاب الحركة وحتى العنف. كما أنني اسعد جداً حين أجد مثل تلك النوعية من الألعاب وأبطالها من النساء والفتيات. وكم كانت سعادتي حين قرأت قبل فترة وجيزة أن قدرات الفتيات في ممارسة الألعاب الإلكترونية لا تقل عن قدرات الشباب».
هذه الميزة غير المكتشفة من قبل أكدت أن قدرات الفتيات والشابات في ممارسة الألعاب الإلكترونية لا تقل عن قدرات الذكور، وهو عكس الشائع. الطريف أيضاً أن الألعاب الإلكترونية قد تكون حلاً ولو موقتاً للخلافات الزوجية، فحسبما تؤكد أستاذة علم النفس في جامعة حلوان الدكتورة فيفيان عبد العزيز أن البعض من الأزواج والزوجات، لا سيما ممن هم دون سن الـ40 باتوا يلجأون وبشكل متزايد الى الألعاب الإلكترونية باعتبارها مهرباً من ضغوط الخلافات الزوجية التي لا حل لها، فـ «هذه الألعاب تمتص جزءاً كبيراً من الوقت الذي قد يفضل كل من الزوجين أن يقضيه بعيداً من شريك حياته داخل البيت تفادياً للصدامات اللفظية والعصبية. كما أنها – على عكس التلفزيون الذي يستوجب تجمع مشاهديه حوله وما قد ينجم عن ذلك من اضطرار لتبادل كلمات قد تكون عواقبها وخيمة – فإن انغماس أحد الزوجين أو كليهما أمام شاشتي كومبيوتر يوفر لهما تحقيقاً سهلاً لمبدأ «ابعد عن الشر وغني له».
Comments
Post a Comment