إدارة المزارع «افتراضيا» على شبكة الإنترنت



إدارة المزارع «افتراضيا» على شبكة الإنترنت

جوسلين إيليا
إذا كنت عضوا في شبكة «فيس بوك» الاجتماعية وكنت مالكا افتراضيا لمزرعة «فارم فيل» أو «فيش فيل» أو غيرها من الممتلكات الافتراضية والألعاب التي تملكها وتديرها شركة «زينغا» سوف تعرف نمط الحياة الافتراضية التي تجذب في أيامنا هذه شريحة كبيرة من الناس حول العالم من جميع الطبقات من كل المستويات الفكرية والثقافية.

ومن اللافت الإقبال الشديد على التحول إلى العالم الافتراضي الذي يلجأ إليه كثيرون بهدف جني المال (افتراضيا) أو التسوق أو التعارف أو حتى تصميم شريك الحياة وإقامة العلاقات الغرامية، الأمر يبدو وكأنه وهم وخيال، إلا أن العالم الافتراضي هو عالم يفرض نفسه على البشر في عصر العولمة والإنترنت، وإذا كان المحبذون للعالم الافتراضي يجنون الأموال ويصبحون رجال أعمال «افتراضيا» فهناك شركات تجني الأموال والأرباح الطائلة «واقعيا» وعلى رأسها شركة «زينغا للألعاب» التي حققت أرباحا العام الماضي تجاوزت 150 مليون دولار أميركي، كما أن باقي مواقع الألعاب الافتراضية حققت أرباحا تجاوزت نسبة الـ90 في المائة وهي في زيادة مستمرة، ومن المتوقع أن تصل إلى مستويات ربحية أعلى بكثير في كل من الولايات الأميركية وأوروبا في غضون نهاية هذا العام ومطلع العام المقبل.

ففي حين يحقق بيع الألعاب الإلكترونية الحقيقية نسبة 40 في المائة من الربح، تحقق الألعاب الافتراضية نسبة 90 في المائة من الربح.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما الأفضل: العيش في الواقع أم في العالم الافتراضي؟ فإذا فكرت في الموضوع تجد الافتراضية تحتل حيزا كبيرا في حياتك من دون معرفتك بذلك، فوتيرة الحياة أصبحت أسرع والتواصل بصورة شخصية أصبح محدودا وأصبحت طريقة التعامل الأكثر انتشارا بواسطة إلكترونية ما، إن كان عن طريق رسائل الهاتف المكتوبة أو عن طريق الرسائل الإلكترونية أو عن طريق الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر»،فترى نفسك محاطا بمئات الأصحاب إلا أنهم في الواقع ليسوا أصدقاءك، فتكتفي بضمهم إلى لائحة الأصحاب على الشبكة، وتكون العلاقة دائرة في خطوط محدودة مثل التعليق على الصور أو التعليق على عبارة كتبتها على الصفحة الرئيسية للبروفايل الخاص بك، وفي خضم هيمنة العالم الافتراضي على عالمنا الواقعي، ترى الهدايا بين الناس أصبحت تأخذ المنحى الافتراضي هي الأخرى، فغالبا ما يكون الحديث ما بين زملاء العمل المنضمين إلى المزرعة الافتراضية «فارم فيل» عن الهدايا التي أرسلوها مثل «الأبقار والخرفان والنباتات.. وغيرها من الهدايا الافتراضية»، ليتخيل إليك للوهلة الأولى وكأن الزميل أهدى زميله فعلا تلك الهدية الثمينة، والمضحك في الموضوع هو استرسال أصحاب المزارع الافتراضية في الكلام عن مزارعهم وعن مزروعاتهم وعن هدفهم في توسيع مساحة المزرعة، لترى في المقابل فريقا آخر من زملاء لم ينضموا بعد إلى شبكة «فيس بوك» وليسوا بعد، من أصحاب المزارع الافتراضية، وكأنهم في عالم آخر لا يفهمون لغة زملائهم.

بدأت «فارم فيل» على شبكة «فيس بوك» في يونيو (حزيران) عام 2009 وأصبحت من أنجح البرامج الافتراضية على الشبكة ووصل عدد المنتسبين إليها في يناير (كانون الثاني) 2010 إلى 73.8 مليون منتسب من بقاع الأرض، وعند انتسابك إلى المزرعة سوف تختار قرينا أو «أفاتار» (امرأة، رجل، أشقر، أسمر..) ليمثلك في المزرعة ويقوم بمهماتك في المزرعة، ففي كل مرة تزور فيها مزرعتك الافتراضية تحقق أرباحا مادية «افتراضية» وفي كل مرة تحصد فيها محصولك الزراعي تضاف إلى حسابك أموال إضافية افتراضية أيضا، لكن هناك من يتطوع ويقوم بشراء تلك الأبقار والمزروعات وغيرها فعليا لقاء مبالغ مادية معينة تحدد أسعارها شركة «زينغا» وهذا يثبت بأننا نتوجه إلى عالم افتراضي لا محالة.

فيقول الخبراء في علم النفس بأن هناك بعض الأسباب التي تجعلنا نفضل العالم الافتراضي على العالم الواقعي، ومنها الهروب من الواقع، فمن الناحية المادية مثلا قد لا يكون بإمكان المرء شراء سيارة أو منزل إلا أن العالم الافتراضي يتيح له الحصول على مبتغاه ويعطيه الثقة بالنفس ليصدق نفسه على أنه مالك لسيارة ومنزل وحتى يخت، ولا ينتهي الأمر هنا ليمتد إلى تحسين الأشكال الخارجية، فموقع «imvu» الإلكتروني يقدم لك فرصة تغيير شكلك الخارجي أو حتى تصميم شكل صديق لك على طريقة فيلم «أفاتار» فتختار قرينك بنفسك في صورة ثلاثية الأبعاد تماما مثلما ترى في فيلم «أفاتار». ويقبل كثيرون على زيارة هذا الموقع حيث يقومون بانتقاء الملابس والشكل الخارجي والتسوق والتعارف على شخصيات وهمية أخرى، كما أن هناك مواقع كثيرة أخرى من بينها موقع Virtual Plastic surgery يتيح لك شراء برنامج إلكتروني يساعدك على تغيير شكلك الخارجي وإجراء عمليات تجميل مختلفة مثل تكبير الثديين أو تنحيف الأرداف أو حتى تصغير الأنف افتراضيا، وتوجد مواقع أخرى تجعل منك طبيبا متخصصا في تجميل الشكل الخارجي فتستطيع من خلال الضغط على أزرار خاصة تغيير معالم الوجه والجسم.

ومن الناحية النفسية وكما ذكرنا آنفا، يلجأ البعض إلى العالم الافتراضي هربا من العالم الواقعي، فمن عانى من فشل علاقة غرامية يلجأ إلى ذلك العالم لاختيار الشريك المثالي «افتراضيا» وهذا يعرف بلغة العالم الافتراضي مهمة البحث عن «أفاتار» يناسبك أو بمعنى آخر مهمة البحث عن قرين لك.

في تقرير نشرته شبكة «سي بي إس» الإخبارية، ظهرت مراسلة الأخبار جيري بوين وهي تختار قرينة لها على موقع تديره شركة «ليندن لاب» المتخصصة في بيع العقار الافتراضي على شبكة الإنترنت وتضم الشركة أكثر من 100 ألف منتسب وتكلفة الانتساب 10 دولارات أميركية في الشهر. فقامت بوين لقاء دفع 10 دولارات باختيار قرينة لها، بشعر أحمر ونظارات شمسية عصرية، واشترت عقارا مرتفعا على شاطئ البحر واختارت جيرانها أيضا، وراحت تمارس رياضة القفز بالمظلات من دون الخوف من الموت، وبينت بوين في تقريرها بأن العالم الافتراضي يجعلك تحقق أمنياتك من دون أن يعرضك للخطر مثلما يحصل في العالم الحقيقي.

وفي التقرير أيضا تبين بوين أن مليار دولار أميركي تنفق حول العالم على بيع وشراء متعلقات «افتراضية»، مثل الأثاث والمنازل والعقار والألبسة، وتبلغ التكلفة الحقيقية لحاجيات العالم الافتراضي 6 ملايين دولار أميركي شهريا. ويقول أحد المنتسبين إلى واحد من تلك المواقع «الافتراضية» إن الهدف من اللجوء إلى العالم الافتراضي هو تحويل الحياة «الثانية» - مشيرا إلى العالم الافتراضي - «إلى مكان أفضل».

ويقول فيليب روزدايل الرئيس التنفيذي لشركة «ليندن لاب»، إن العالم الافتراضي يواجه مصاعب حقيقية أو «واقعية»، فهذا العالم يتعرض للقرصنة من وقت إلى آخر مما يستدعي الاتصال بالشرطة الفيدرالية في كثير من الأحيان، ولا تنتهي المشاكل هنا، فقد حصل وتعرضت الحياة الافتراضية إلى المقاضاة في محاكم الحياة الواقعية بعد أن حصل تزوير في بيع العقار. ويتابع روزدايل بأنه حكم على رجل في الصين بالسجن المؤبد بسبب قتله صديقه الذي قام ببيع خنجره الذي أعاره إليه. (الخنجر افتراضي لا تجده إلا في الفضاء الإلكتروني إلا أن الجريمة حقيقية وحصلت في الواقع).


Comments