من يزرع "الفارم فيل" لا يحصد إلا.. الإنترنت


من يزرع "الفارم فيل" لا يحصد إلا.. الإنترنت



إيناس مصري

على أرض لا تُراب فيها تقع مزرعة الـ"Farmville" . في هذه المزرعة وعلى خلاف كل المزارع لا يتسّع المكان للغبار والوحل. بثيابه الرسمية وبكامل أناقته ومن على كرسيه في البيت او المكتب، يستطيع المزارع أن يحطّ فيها ويتفرّغ لتصميم الحديقة التي يريد.عبر تلك الشاشة الصغيرة وبكبسة زر يمكنه تغيير أصغر التفاصيل من دون الحاجة الى "شمر ساعده" او حمل المعول والمنكوش. هي لعبة زراعة وحصاد "إنترنتي" بامتياز. فيها يشتري اللاعب-المزارع المحاصيل من السوق بنقود إفتراضية مجانية، ولتوسيع مزرعته وشراء ما يلزم من محاصيل جديدة وحيوانات وجرارات وممتلكات يمكنه أن يستخدم بطاقة اعتماده كالفيزا وغيرها .
أكثر من 80 مليون لاعب حول العالم يلعبون في "المزرعة". لدى دخولهم يتوجه اليهم مصممو اللعبة بعبارة "مرحباً أيها المزارعون!". المنافسة فيها لنيل "جائزة اجمل مزرعة "شريفة بدون حرب ولا دمار. إنما".
مزرعة وهمية أصبحت حقيقية، تربط مزارعيها بمواعيد محددة للحصاد وحلب الأبقار وما إلى هنالك. يكشفها المزارع الالكتروني تدريجياً. بالإضافة إلى المنافسة المستمرة التي يحاول فيها المزارع أن يقدم مزرعته بصورة أجمل من مزارع جيرانه. اللعبة محبوكة بشكل ذكي جداً لاجتذاب المشاركين، فهي تقوم على تبادل الهدايا وتقدم المفاجآت من الديكورات والأشجار والبذور بشكل تدريجي ومشوق. وتدفع بالمزارعين لمساعدة جيرانهم من خلال تنظيف الأوراق الذابلة، وطرد الآفات والحيوانات الضارة وتلقيح البذور. ومن ثم تشجعهم على إعلان رغبتهم بالاحتفال (نقدياً) حين يتقدمون في اللعبة أو يحصلون على وسام ما.
ترك الشباب هموم السياسة وتوجهوا إلى عالم الزراعة من دون تشجيع من أحد. نقلتهم فجأة إلى عالم مختلف تماماً عن واقعهم المشحون بالسياسة والتحديات اليومية. عالم المزرعة وهدوء البال. عالم الزراعة والحصاد. عالم الحيوانات التي لا تلفظ إلا لغتها. لغتها حقيقية واقعية. هرب الشباب من واقعهم إلى عالم افتراضي عبر لعبة لا حروب فيها ولا اشتباكات كلامية. هرب هؤلاء من صخب حياتهم اليومية التي يعكر صفوها أحاديث السياسيين بكلامهم المتشنج، من تحدياتهم الأنانية واعتلائهم المناصب من دون التفكير في شبابهم المفعمين بالطاقة والحياة.
يهرب الشباب خلال هذه اللعبة إلى الخيال في تملكهم مزرعة شهيرة يتكلمون باسمها ويبنون أحلامهم المستقبلية في فسحة صغيرة من الواقع لكنها كبيرة بخيالهم. بنو بيوتهم وزرعوا مزرعتهم وأنجبوا أحلامهم من رحمها الواسع من دون أن يسمعوا نقاً من هنا وهناك،و من دون وعود بحياة أفضل لشبابها خارج المزرعة. حققوا أمنياتهم بمبالغ وهمية، مجانية. حصلوا على بيوت أحلامهم. بيوت لا يستطيعون أن يحصلوا عليها في وطنهم. أحبوها فأعطتهم خيالها وفسحتها. وقتهم منظم. لا وقت ليضيعونه خوفاً من خسارة حلمهم. أحبوا جيرانهم وأخذوا يراسلونهم بهدايا كانوا قد افتقدوها في واقعهم. الاهتمام بالآخر أصبح اهتمامهم. أعطوا ما عندهم وأخذوا بالمقابل. لعبتهم هي الأخذ والعطاء. مفهومها الزراعة. فابتعدوا عن البزنس شيئاً فشيئاً. شبابها واقعيون بقدر خيال اللعبة.
المزرعة هي حرب على الواقع ولكنها حرب بلا دماء. حرب على السياسيين الذين يأخذون أصوات وأحلام الشباب ولا يعطون بالمقابل قطعة أمل وسلام لشباب المستقبل. حرب على الامتلاك بعد أن أبعدتهم الظروف عن التملك في وطنهم. إنها حرب، رسالتها العيش بسلام وحرية اختيار المزرعة التي يريدونها. "فارم فيل" هي الحياة التي يطمحون لبنائها بالمحبة وتبادل الهدايا.
في فارم فيل شباب يزرعون أحلامهم ويحصدون آمالهم بعد أن جرّدهم الواقع من الحصول على أرض ينعمون فيها بالسلام والطمأنينة. الموقع الالكتروني هذا أصبح عالمهم الذي يتحدون فيه الوقت لإثبات جدارتهم في تحمل المسؤولية والازدهار إلى حياة أفضل يطمح بها كل إنسان.

Comments